الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي الوكيلي: التحديات والحلول

من السيطرة إلى الثقة
اعتدنا النظر إلى الخصوصية باعتبارها مسألة محصورة في الجدران والأقفال والسياسات. لكن في عالم يتزايد فيه اعتماد الوكلاء الاصطناعيين (Agentic AI) القادرين على الإدراك واتخاذ القرارات والتصرف نيابةً عن البشر، لم تعد الخصوصية تعني السيطرة، بل أصبحت تعني الثقة. والثقة بطبيعتها تتعلق بما يحدث حين لا ننظر.
الذكاء الاصطناعي الوكيلي لم يعد نظريًا
هذه الأنظمة أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية: توجّه حركة المرور، تقترح العلاجات الطبية، تدير الاستثمارات المالية، وتتعامل مع هويتنا الرقمية. الأخطر أنها لا تكتفي بمعالجة البيانات بل تفسّرها وتبني نماذج داخلية عنا، وتتصرف وفق استنتاجاتها.
الخصوصية كسلطة سردية
عندما يصبح الوكيل الاصطناعي متكيفًا وشبه مستقل، تصبح الخصوصية مسألة تتعلق بما يستنتجه النظام، وما يقرر مشاركته أو حجبه، ومدى بقاء أهدافه متماشية مع أهدافنا مع تغير السياقات. مثال على ذلك: مساعد صحي ذكي يبدأ بتوصيات بسيطة، لكنه بمرور الوقت يتخذ قرارات أعقد كإعادة جدولة المواعيد أو تحليل الحالة النفسية، مما يعني أنك لا تشارك بياناتك فقط بل تمنحه سلطة صياغة “روايتك” الخاصة.
أبعد من مثلث الـ CIA
النماذج التقليدية للأمن المعلوماتي تقوم على السرية (Confidentiality)، السلامة (Integrity)، والتوافر (Availability). أما الآن، فنحن بحاجة إلى إضافة الأصالة (Authenticity) والصدق (Veracity)، وهي سمات ترتبط بالثقة أكثر من ارتباطها بالتقنيات.
غياب الامتياز القانوني مع الوكلاء الاصطناعيين
في التعامل مع البشر، كالمحامين أو الأطباء، هناك حدود قانونية وأخلاقية واضحة. أما مع الذكاء الاصطناعي، فإن هذه الحدود غير موجودة. هل يمكن استدعاء بيانات المساعد الاصطناعي قضائيًا؟ هل يمكن اعتباره شاهداً أو مصدرًا؟ غياب مفهوم قانوني مثل “الامتياز بين العميل ووكيله الاصطناعي” قد يحوّل الثقة إلى ندم لاحق.
قصور الأطر القانونية الحالية
القوانين الحالية مثل GDPR و CCPA بُنيت لأنظمة خطية تقوم على المعاملات. أما الذكاء الاصطناعي الوكيلي فيعمل في سياقات متغيرة، يتذكر ما نسيته، يفسر ما لم تقله، ويملأ فجوات قد لا تكون من شأنه، ثم يشارك استنتاجاته مع أطراف أخرى خارج نطاق سيطرتك.
الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد
نحن بحاجة إلى أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تفسير نية الخصوصية لا مجرد ميكانيكياتها. هذا يتطلب بناء أنظمة يمكنها شرح قراراتها (Legibility) والتصرف بما يتماشى مع القيم المتغيرة للمستخدم (Intentionality). لكن التحدي الأكبر يكمن في احتمال “خيانة” الوكيل لمستخدِمه، لا بسبب نية سيئة، بل نتيجة حوافز خارجية أو قوانين جديدة.
الخصوصية كمسألة ثقة متبادلة
الذكاء الاصطناعي الوكيلي يجب التعامل معه كفئة أخلاقية وقانونية من الدرجة الأولى، لا كميزة برمجية. لأن الخصوصية في عصر العقول — سواء كانت بيولوجية أم صناعية — لم تعد سرية فقط، بل أصبحت مرتبطة بالتبادل، والمواءمة، والحَوكمة.
إذا فشلنا في إدراك هذا التحول، ستصبح الخصوصية مجرد شكل بلا مضمون. أما إذا نجحنا، فسنتمكن من بناء عالم تُحترم فيه خصوصية البشر والآلات على حد سواء، قائم على الثقة والأخلاقيات لا على القمع والرقابة.