تقنيات المستقبل

قانون السرية المصرفية يهدد الخصوصية المالية للأمريكيين في العصر الرقمي

بينما تقترب الولايات المتحدة من إقرار قوانين تنظم الأصول الرقمية، تكتسب المناقشات حول الابتكار والتنافسية العالمية زخمًا كبيرًا من الحزبين. ومع ذلك، هناك موضوع حيوي مغيب تمامًا عن هذا الحوار: الخصوصية المالية.

في ظل التحول الرقمي السريع في الأنظمة المالية، أصبح من الضروري ألا نركّز فقط على ما هو ممكن تقنيًا، بل أيضًا على ما هو مقبول أخلاقيًا ودستوريًا. ذلك يتطلب التطرق إلى سلطات المراقبة الواسعة المتجذرة في نظامنا المالي، والذي أصبح اليوم قادرًا على تتبع كل معاملة تقريبًا دون الحاجة إلى إذن قضائي.

قانون السرية المصرفية: الماضي الذي يهدد الحاضر

يعود هذا الوضع إلى قانون أمريكي يُعرف باسم قانون السرية المصرفية (BSA)، تم إقراره عام 1970 في عهد نيكسون لمحاربة الجريمة المنظمة، حينما كان “النقد هو الملك”. حينها، أُلزمت البنوك بالاحتفاظ بسجلات معينة لعملائها وتقديمها للسلطات عند الطلب.

لكن على عكس أوامر التفتيش، التي تتطلب موافقة قضائية مبنية على وجود سبب محتمل، يستطيع المدعي العام إصدار أمر استدعاء شامل لكافة سجلاتك البنكية دون أي إشراف قضائي. ولا يتطلب ذلك إثباتًا على وجود جريمة.

وفي عام 1976، أيدت المحكمة العليا الأمريكية هذا النهج في قضية United States v. Miller، بحجة أن المواطنين لا يملكون “توقعًا مشروعًا للخصوصية” في المعلومات التي يشاركونها مع أطراف ثالثة مثل البنوك. ومن هنا نشأت قاعدة الطرف الثالث، التي تتيح للسلطات الوصول إلى معلوماتك المالية دون أمر قضائي.

من دفتر الشيكات إلى الرقمنة الكاملة

حين طُبق القانون، كان التعامل البنكي يتم يدويًا، وكان الإبلاغ يُطلب فقط للمعاملات النقدية التي تتجاوز 10,000 دولار—a رقم لم يتم تعديله وفق التضخم حتى اليوم.

أما الآن، فيجري معظم التعاملات عبر تطبيقات إلكترونية مثل Venmo وPayPal وغيرها، حيث يُقدّر أن 84% من المدفوعات الأمريكية تتم دون استخدام النقد، وكل معاملة تُخلّف أثرًا رقمياً مراقبًا.

مراقبة شاملة مرتبطة بالهوية والسلوك

عند ربط البيانات المالية بالبيانات الأخرى التي تجمعها شركات التقنية مثل سجل المواقع الجغرافية، وسجل البحث، ومعلومات الاتصال، فإننا نواجه نظام مراقبة قادر على تتبع كل تفاصيل حياتك الرقمية: تحركاتك، عاداتك، وحتى نواياك.

فعالية محدودة مقابل ضرر دائم

رغم ضخامة هذا النظام، لا تشير البيانات إلى فعالية حقيقية في مواجهة الجريمة. ففي عام 2024، تم تقديم أكثر من 4.7 مليون بلاغ عن نشاط مشبوه (SAR) وأكثر من 20 مليون تقرير عن المعاملات النقدية.

لكن بدلًا من أن تساهم في كشف الجرائم الكبرى، تُغرق هذه التقارير وكالات إنفاذ القانون بمعلومات قليلة القيمة، ما يؤدي إلى إهدار الجهود وطمس التهديدات الحقيقية.

نظام تحفيز معطوب

المؤسسات المالية مجبرة على التبليغ عن أي نشاط قد يكون مشبوهًا لتفادي العقوبات القانونية. ومع عدم وجود عقوبات على التبليغ المفرط، فإن النتيجة هي جمع مفرط للبيانات دون أي ضوابط حقيقية.

ما الذي يجب تغييره؟

تلك الممارسات الرقابية الحالية، وإن كانت قانونية ضمن النظام التنظيمي، بحاجة ماسة إلى أطر واضحة وحدود دستورية. فبدلًا من تسليم مفاتيح الخصوصية إلى مؤسسات خاصة، ينبغي على المشرّعين إعادة النظر في الأسس القانونية لهذه الممارسات وتحديثها لتواكب عصر الرقمنة.

المصدر:- MIT Technology Review

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى