تقنيات المستقبل

الحوسبة العصبية: ثورة في تقليل استهلاك الطاقة لأنظمة الذكاء الاصطناعي

الحواسيب التي تعمل وفقًا لمبادئ مشابهة لعمل الدماغ قد تكون المفتاح لتقليل التكاليف الهائلة للطاقة التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي. لقد قامت مختبرات Sandia الوطنية مؤخرًا بتشغيل جهاز قادر على محاكاة ما بين 150 إلى 180 مليون عصبون.

إن السباق لبناء نماذج ذكاء اصطناعي أكبر حجمًا قد أحرز قفزات هائلة في القدرات، ولكنه في الوقت نفسه زاد بشكل كبير من الموارد المطلوبة لتدريب وتشغيل هذه النماذج. ووفقًا لبعض التقديرات، قد يمثل الذكاء الاصطناعي الآن حوالي 20٪ من إجمالي طلب الطاقة في مراكز البيانات العالمية.

يمكن للدماغ البشري أن يوفر حلاً لهذه المشكلة المتنامية. إذ أن الكمبيوتر داخل رؤوسنا يحل مشكلات تفوق حتى أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي، بينما يستهلك فقط حوالي 20 واطًا من الطاقة. ويعتمد مجال الحوسبة العصبية (Neuromorphic Computing) على تطوير أجهزة حاسوب تحاكي الدماغ بشكل أقرب، بهدف تحقيق توازن بين الأداء العالي والكفاءة في استهلاك الطاقة.

شركة SpiNNcloud الألمانية الناشئة قامت ببناء حاسوب عملاق عصبي يُعرف باسم SpiNNaker2، ويستند إلى التكنولوجيا التي طورها ستيف فوربر، مصمم بنية شرائح ARM الثورية. وقد أعلنت Sandia مؤخرًا عن نشر هذا الجهاز رسميًا في منشأتها في نيو مكسيكو.

قال الباحث في مختبرات Sandia، كريغ فينيارد:
“رغم أن الأنظمة المعتمدة على وحدات معالجة الرسومات (GPU) يمكن أن تعزز كفاءة الحواسيب العملاقة من خلال معالجة الأحمال الحسابية المكثفة والمتوازية بشكل أسرع بكثير من وحدات المعالجة المركزية (CPU)، فإن الأنظمة المستوحاة من الدماغ، مثل نظام SpiNNaker2، تقدم بديلاً جذابًا. النظام الجديد يحقق أداءً مميزًا وكفاءة كبيرة في استهلاك الطاقة.”

تُبنى الشبكات العصبية التي تشغل الذكاء الاصطناعي الحديث بشكل فضفاض على نموذج الدماغ، ولكن على مستوى بدائي جدًا. تعمل الحواسيب العصبية على تعزيز الواقعية البيولوجية على أمل أن نتمكن من تقليد بعض الخصائص الجذابة للدماغ بشكل أوثق.

مقارنةً بالآلات التقليدية، تحاكي الحواسيب العصبية طريقة تواصل الدماغ باستخدام نبضات كهربائية. ففي الشبكات العصبية التقليدية، تنتقل المعلومات بين العصبونات على شكل أرقام يمكن أن تختلف قيمتها. أما في الحوسبة العصبية، فتستخدم الشبكات العصبية النابضة (spiking neural networks) حيث تكون المعلومات محتواة في توقيت النبضات بين العصبونات.

في النهج التقليدي، يتم تفعيل كل عصبون في كل مرة يعالج فيها الشبكة البيانات حتى وإن كانت القيم التي ينقلها لا تسهم كثيرًا في النتيجة النهائية. أما في الشبكة النابضة، فإن العصبونات تُفعّل لفترات وجيزة فقط عندما تكون لديها معلومات هامة لنقلها، مما يعني أن عددًا أقل من العصبونات يستهلك الطاقة في أي وقت.

يمكن تشغيل الشبكات العصبية النابضة على الحواسيب التقليدية، لكن للاستفادة الحقيقية يجب استخدام شرائح مصممة خصيصًا لدعم هذا النهج الجديد. يتميز نظام SpiNNaker2 بآلاف الأنوية المعالجة الصغيرة القائمة على معمارية ARM والتي تعمل بالتوازي وتتواصل باستخدام رسائل صغيرة جدًا.

الأهم من ذلك، أن هذه الأنوية ليست دائمًا في حالة تشغيل كما هو الحال في الحواسيب العادية، بل تعتمد على الأحداث، حيث تستيقظ فقط لمعالجة البيانات عند تلقيها رسالة أو نبضة، ثم تعود إلى وضع الخمول. ووفقًا لـ SpiNNcloud، فإن هذا يجعل جهازهم أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة بمعدل 18 مرة مقارنة بالأنظمة المبنية على وحدات معالجة الرسومات الحالية.

قال هيكتور أ. غونزاليس، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ SpiNNcloud:
“رؤيتنا هي الريادة في مستقبل الذكاء الاصطناعي. نحن متحمسون للشراكة مع Sandia في هذا المشروع، ولمشاهدة النظام يعمل بشكل مباشر.”

التحدي الرئيسي أمام الحوسبة العصبية هو أن طريقة عملها تختلف جذريًا عن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، مما يصعّب الترجمة بين التخصصين. كما أن نقص الأدوات البرمجية والبنية التحتية الداعمة يجعل البداية صعبة.

ولكن مع تزايد فواتير الطاقة للذكاء الاصطناعي، فإن وعد الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة يعد فرصة جذابة للغاية. ربما يكون هذا هو اللحظة التي كانت الحوسبة العصبية تنتظرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى