كيف تعمل الأشياء

شركة ناشئة تسعى لتقليص حجم المسرّعات الجزيئية وتغيير مستقبل تصنيع الرقائق الإلكترونية

تقنية تسريع الليزر قد تغيّر مستقبل تصنيع الرقائق الإلكترونية

في مختبر صغير يقع أسفل مكاتب Y Combinator في سان فرانسيسكو، تعمل شركة ناشئة شابة على قلب واحدة من أكثر التقنيات رسوخًا في تصنيع الرقائق الإلكترونية. تأسست شركة Inversion Semiconductor عام 2024 على يد “روهان كاريثيك” و”دانييل فيغا”، وتراهن على أن تقليص حجم المسرّعات الجزيئية إلى حجم سطح الطاولة قد يفتح حقبة جديدة من الإنتاج الأسرع والأقوى لأشباه الموصلات.

في الوقت الراهن، تُصنع أكثر الرقائق تطورًا في العالم باستخدام ضوء الأشعة فوق البنفسجية الشديدة (EUV)، وهي تقنية تهيمن عليها الشركة الهولندية العملاقة ASML. تستخدم أجهزتها ضوءًا بطول موجي يبلغ 13.5 نانومتر لنقش أنماط دقيقة جدًا على رقائق السيليكون، لكن هذه العملية بطيئة ومكلفة ومقيدة بقوة مصادر الضوء المتاحة حاليًا.

يرى مؤسسو “Inversion” أن بإمكانهم تخطي هذه القيود عبر اعتماد نهج مختلف جذريًا يُعرف باسم تسريع المجال الليزري (Laser Wakefield Acceleration – LWFA).

تُعد تقنية LWFA طريقة تستخدم نبضات ليزر فائقة القِصر وعالية الطاقة لتوليد موجات بلازما، والتي يمكن أن تُسرّع الإلكترونات إلى طاقات عالية جدًا خلال بضعة سنتيمترات فقط، بدلاً من الكيلومترات المطلوبة في المسرّعات التقليدية مثل تلك المستخدمة في منشآت CERN.

النتيجة هي جهاز مضغوط أصغر بنحو 1000 مرة من المسرّعات التقليدية، قادر – نظريًا – على إنتاج طاقة تصل إلى 10 كيلوواط. وهذا الرقم لا يتجاوز فقط ما يمكن لأنظمة ASML الحالية تحقيقه، بل يمكن أيضًا أن يشغّل عدة أجهزة طباعة ضوئية (Lithography Machines) في الوقت ذاته، أو يُسرّع عملية تصنيع الرقائق بشكل كبير.

تهدف الشركة في المرحلة الحالية إلى تطوير مصدر ضوء قابل للضبط يُطلق عليه اسم Starlight، قادر على إنتاج كيلوواط واحد من ضوء الأشعة السينية اللينة بطول موجي يتراوح بين 6 إلى 20 نانومتر. يمكن لهذا المصدر أن يخدم تطبيقات عديدة تتراوح بين التصوير الصناعي بالأشعة السينية وفحص الأقنعة الضوئية في تصنيع أشباه الموصلات، وقد أبدت شركات كبرى مثل Tesla وApplied Materials اهتمامًا مبكرًا بالمشروع.

كما أبرمت “Inversion” شراكة مع مختبر “لورنس بيركلي الوطني” ومركز BELLA، ضمن تعاون في مشروع BELLA-LUX لتحسين استقرار الليزر وتحسين توليد الضوء لاستخدامه في تصنيع الرقائق.

لكن الطريق أمامهم مليء بالتحديات التقنية والعملية. فالليزرات من فئة البيتاواط المطلوبة لتقنية LWFA تُعد ضخمة ومكلفة وصعبة التشغيل بشكل موثوق ومستمر على مدار الساعة لتلبية متطلبات مصانع الشرائح الحديثة.

ويُعتبر الحفاظ على استقرار وجودة شعاع الليزر أمرًا أساسيًا للحصول على نقش دقيق، لكن حتى الباحثين الرائدين يعترفون بأن الحزم الإلكترونية الناتجة عن LWFA غالبًا ما تكون غير مستقرة ولها طيف طاقة واسع، ما يصعّب استخدامها في الطباعة الضوئية.

دمج منصة CUDA-Q من إنفيديا مع كمبيوترات كوانتوم آرت لتسريع الحوسبة الكمية القابلة للتوسع

هناك أيضًا تحدي دمج مصدر الضوء الجديد هذا مع معدات الطباعة الضوئية الحالية. ورغم أن استخدام البصريات الحالية لتقنية EUV قد يكون ممكنًا في البداية، فإن الانتقال إلى أطوال موجية أقصر سيتطلب مرايا وتقنيات دعم جديدة كليًا، مما قد يُجبر Inversion على بناء نظام بيئي متكامل من الصفر.

ولا تتوقف طموحات “Inversion” عند مجرد تطوير مصدر للضوء. فالشركة تطمح في نهاية المطاف إلى بناء أنظمة طباعة ضوئية كاملة، في محاولة جريئة لمنافسة هيمنة ASML. ومع ذلك، فإن عدم امتلاكها لأي خبرة سابقة في تصنيع الأدوات عالية الاعتمادية التي تتطلبها مصانع أشباه الموصلات يُثير شكوكًا كبيرة حول قدرتها على الوفاء بوعودها.

رغم هذه التحديات، يظل مؤسسو “Inversion” متفائلين، معتبرين أن تقنيتهم قد تمثل السبيل لاختراق الحدود الفيزيائية الحالية لصناعة الرقائق والحفاظ على استمرارية قانون مور. وإذا أمكن جعل المسرّع المصغر عمليًا وميسور التكلفة، فقد يُحدث ثورة ليس فقط في صناعة أشباه الموصلات، بل أيضًا في قطاعات أخرى تعتمد على مصادر الضوء المتقدمة.

حالياً، تركز الشركة جهودها على إثبات فعالية نموذجها الأولي LITH-0، المُشغّل بواسطة نظام Starlight. لا يزال موعد إطلاق أداة إنتاج جاهزة للاستخدام غير معروف، لكن سباق تقليص المسرّع الجزيئي – وبالتالي مستقبل تصنيع الرقائق – قد انطلق بالفعل.

🔗 المصدر: TechSpot


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى