إطلاق قاعدة بيانات كونية ضخمة من تلسكوب ويب: نافذة غير مسبوقة إلى أعماق الكون

فُتح فصل جديد في استكشاف الكون مع إصدار قاعدة بيانات ضخمة وقابلة للبحث من مشروع COSMOS-Web، ما يمنح الجمهور وصولًا غير مسبوق إلى أعمق صورة للكون التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي. يُمثل هذا الإنجاز محطة فاصلة تتيح للعلماء والهواة على حدٍ سواء تحليل كنز من البيانات الفلكية التي كانت سابقًا حكرًا على الباحثين المتخصصين.
ما هو مشروع COSMOS-Web؟
يُعد COSMOS-Web أكبر برنامج للمراقبة العامة ضمن العام الأول لتلسكوب JWST، حيث قام بمسح منطقة من السماء تعادل ثلاث أقمار مكتملة باستخدام كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة (NIRCam)، بالإضافة إلى منطقة إضافية تم تصويرها بأداة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة (MIRI).
اكتشاف أعداد خفية من الكويكبات المشتركة في مدار الزهرة تهدد الأرض على المدى البعيد
أسفر هذا الجهد الطموح عن إنتاج كتالوج ضخم يُعرف باسم COSMOS2025، ويحتوي على معلومات مفصّلة لحوالي 800,000 مجرة. تشمل البيانات الفوتومترية وقياسات البنية والانزياحات الحمراء (redshifts) وغيرها من الخصائص الفيزيائية، مما يفتح المجال للعديد من المسارات العلمية الجديدة، حسب تعبير الفريق المسؤول عن المشروع.
بيانات غير مسبوقة:
لقد فاقت دقة وجودة البيانات جميع التوقعات. وصرّحت د. جيهان كارتالتيبي، الأستاذة المساعدة في معهد روتشستر للتكنولوجيا والقائدة المشاركة لـ COSMOS-Web، قائلة:
“حساسية تلسكوب ويب مكنتنا من رؤية مجرات باهتة وبعيدة لم نشهدها من قبل، ما أتاح لنا دراسة خصائصها في بدايات الكون”.
تتضمن الصور التي التقطها المسح بعضًا من أندر الأجسام الكونية، وهي متاحة الآن للعلماء والجمهور للاستكشاف.
اكتشاف “الانفجارات النووية القصوى”: أقوى انفجارات كونية تفوق حتى السوبرنوفا
تقنيات مبتكرة وتعاون دولي:
تطلب إنشاء هذا الكتالوج الشامل تطوير تقنيات متقدمة. وأوضح ماركو شونتوف، الباحث في مركز فجر الكون (Cosmic Dawn Center):
“هذا المشروع تطلب تطوير تقنيات جديدة لقياس الفوتومترية والبنية لحوالي 800,000 مجرة ضمن 37 صورة.”
وقد أسفر العمل عن واحدة من أدق مجموعات البيانات الخاصة بالانزياحات الحمراء والمعلمات الفيزيائية، مما يتيح أبحاثًا رائدة في علم الفلك.
أدوات تفاعلية للجميع:
من أبرز الميزات في الإصدار الجديد أداة عرض تفاعلية تسمح بالبحث عن أجسام محددة أو استكشاف خصائص المجرات بنقرة واحدة. وتأتي هذه الأداة مرفقة بكامل قاعدة البيانات والأبحاث العلمية ذات الصلة، ما يسهل على الجميع الوصول إلى العلم.
إنجاز تقني غير مسبوق:
تم دمج أكثر من 10,000 صورة لإنشاء أكبر صورة متكاملة التقطها تلسكوب ويب حتى الآن، وهو إنجاز تطلّب محاذاة دقيقة وتصحيحًا لانحيازات المراقبة. وعبّر ماكسيميليان فرانكو، الباحث في جامعة باريس-ساكلاي، عن فرحته:
“لقد كان من المذهل رؤية مجرات لم تكن مرئية في أطوال موجية سابقة، وشعور رائع أن نراها تظهر أخيرًا على شاشاتنا”.
دور MIRI وتطور الأبحاث:
قدمت أداة MIRI إسهامًا جوهريًا في رصد وتوصيف المجرات ذات الانزياحات الحمراء العالية، ما أتاح فهمًا أعمق لتطور المجرات ونمو الثقوب السوداء. وصرّح سانتوش هاريش، الباحث في معهد روتشستر:
“مع MIRI أصبح بإمكاننا الوصول إلى تفاصيل غير مسبوقة في هذا النطاق الطيفي، مما وفر رؤى جديدة حول آليات تطور المجرات ونمو الثقوب السوداء”.
تعاون عالمي ومستقبل مفتوح:
بدأ فريق COSMOS-Web، المكوّن من حوالي 50 باحثًا من مختلف أنحاء العالم، العمل مع إطلاق تلسكوب JWST في عام 2021، وقد خصص أكثر من 250 ساعة مراقبة لهذا المشروع. شملت أهدافهم دراسة عصر إعادة التأين في الكون، وتتبع تطور المجرات الضخمة، وفهم العلاقة بين المادة المظلمة والمرئية.
أثمرت البيانات بالفعل عن اكتشافات جديدة، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لتقدير خصائص المجرات وتتبع البنية على مدى مليارات السنين.
وتؤكد كارتالتيبي:
“لدينا بيانات وكتالوجات موثوقة للغاية، بذلنا جهدًا كبيرًا في إعدادها. لا يمكنني المبالغة في مدى التغير الذي شهدناه، فبيانات JWST فتحت لنا نافذة جديدة على الكون.”
تمت معالجة هذه الكمية الهائلة من البيانات عبر موارد حوسبة خاصة في معهد الفيزياء الفلكية في باريس، بدعم من وكالات علمية فرنسية. ومع إتاحة قاعدة بيانات COSMOS-Web لعامة الناس، تُصبح معيارًا جديدًا لمشاريع التلسكوبات القادمة، ما يُغيّر جذريًا الطريقة التي نتعامل بها مع البيانات الفلكية.