تقنيات المستقبل

إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيط: هل يؤدي إلى خنق الحياة البحرية؟

في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتزايد انبعاثات الغازات الدفيئة، يبحث العلماء عن حلول واسعة النطاق يمكن أن تُحدث تحولًا حاسمًا في مواجهة أزمة المناخ. ومن بين هذه الحلول، تبرز تقنية واعدة لكنها مثيرة للجدل: إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيط.

تقوم هذه الفكرة على استغلال المحيط، الذي يُعد بالفعل أكبر خزان للكربون على الأرض، لامتصاص المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون. العشرات من الشركات الناشئة تعمل حاليًا على تجريب هذه المقاربة، والتي تُعرف أحيانًا باسم إزالة ثاني أكسيد الكربون البحري.

الفكرة المغرية هنا أن المحيط، من الناحية النظرية، قد يقوم بالجزء الأكبر من العمل. كل ما نحتاجه هو تحفيزه على امتصاص المزيد من الكربون، ثم تخزين الغازات المستخرجة أو إعادة استخدامها بطريقة تمنع عودتها إلى الغلاف الجوي.

تحذير: ليست كل الحلول مفيدة للمحيط

لكن وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Environmental Research Letters، فإن لهذه التقنية عواقب غير مقصودة قد تكون كارثية، وعلى رأسها تسريع انخفاض مستويات الأوكسجين في المحيط، وهو اتجاه خطير يُعرف بـ نزع الأوكسجين من المحيطات (Ocean Deoxygenation).

“ما يفيد المناخ ليس بالضرورة جيدًا للمحيط”، كما أشار أندرياس أوشليس، المؤلف الرئيسي للدراسة من مركز أبحاث GEOMAR في ألمانيا.

الماء الدافئ يحتفظ بكميات أقل من الأوكسجين، ومع ارتفاع درجات الحرارة على مدى الخمسين عامًا الماضية، خسر المحيط نحو 2% من إجمالي الأوكسجين المذاب فيه، أي ما يعادل نحو 77 مليار طن متري، حسب دراسة نُشرت عام 2018.

المناطق الميتة: نتيجة مرعبة

عندما تنخفض مستويات الأوكسجين بدرجة كبيرة، تنشأ ما يُعرف بـ المناطق الميتة، وهي مساحات من المحيطات تصبح شبه خالية من الحياة البحرية.

  • يمكن أن تمتد هذه المناطق على آلاف الأميال المربعة

  • الحياة البحرية إما تهرب منها أو تموت اختناقًا

التغير المناخي أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة، وزاد من عدد وحجم هذه المناطق. لذلك، فإن أي إجراء لمواجهة الاحترار العالمي يجب ألا يضيف ضغطًا إضافيًا على المحيط.

هل التسميد المحيطي يفاقم المشكلة؟

من بين أبرز تقنيات إزالة الكربون البحري ما يُعرف بـ التسميد المحيطي (Ocean Fertilization)، حيث تُضاف مغذيات إلى المحيط لتحفيز نمو الطحالب التي تمتص الكربون.

لكن هناك مشكلة كبيرة: عندما تموت هذه الكائنات الدقيقة (العوالق النباتية)، فإن جثثها تغرق إلى قاع المحيط، وهناك تتغذى عليها بكتيريا تستهلك كميات هائلة من الأوكسجين في عملية التحلل.

“الأساليب التي تزيد من الكتلة الحيوية في المحيط، ثم تؤدي إلى تحلل يستهلك الأوكسجين، لا يمكن اعتبارها حلولًا آمنة للمناخ”، يؤكد أوشليس.

وفقًا لنماذج المحاكاة:

قد تسبب هذه الأساليب انخفاضًا في الأوكسجين المذاب بمقدار يتراوح بين 4 إلى 40 ضعف ما يمكن أن نكسبه من انخفاض الاحترار العالمي.

هل هناك بدائل آمنة؟

رغم التحذيرات، لا يُعارض الباحثون استخدام المحيط كخزان كربون بشكل مطلق. فهناك تقنيات “غير حيوية” أظهرت أثرًا طفيفًا على مستويات الأوكسجين، ومنها:

  • ضخ معادن مثل الحجر الجيري في المياه

  • تحويل CO₂ إلى جزيئات مستقرة تبقى محصورة تحت الماء

ما المطلوب الآن؟

يشدد الباحثون على أن أي تقنية مستقبلية يجب أن تُقيّم أولًا من حيث تأثيرها على مستويات الأوكسجين:

“المحيط نظام معقد، ويتعرض لضغوط كبيرة بالفعل”، يقول أوشليس.
“إذا أردنا التدخل بحلول واسعة النطاق، علينا التأكد من أننا لا نزيد من تدهور الظروف البيئية التي تعتمد عليها الحياة البحرية.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى