تقنيات المستقبل

علماء يقتربون من فك شيفرة إشارة 21 سنتيمتر لفهم فجر الكون

بقدر ما يحيط الغموض بلحظة الانفجار العظيم التي خلقت الكون، فإن الفترة الوجيزة التي أعقبتها كانت أيضًا مضطربة وغير مفهومة. كيف تحوّل الكون من بحرٍ موحّد مظلم إلى دوامة مليئة بالنجوم الساطعة؟ وما طبيعة أولى هذه النجوم وكيف تشكّلت؟

حتى الآن، لا نملك سوى افتراضات قوية دون دليل مباشر. ويعود ذلك إلى أن الضوء الصادر عن تلك الفترة – والمعروفة باسم فجر الكون – ضعيف للغاية، ما يجعل من شبه المستحيل رصد الأجسام الكونية الأولى أو حتى تحليل خصائصها.

لكن هذا الواقع على وشك التغيّر. في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature Astronomy، أعلن فريق دولي من علماء الفلك أنهم باتوا قريبين من فك شيفرة إشارة راديوية تعود إلى 100 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم. تُعرف هذه الإشارة باسم إشارة 21 سنتيمتر، نسبة إلى طولها الموجي الفريد، وقد انبعثت مع ولادة النجوم والثقوب السوداء الأولى في الكون.

“هذه فرصة فريدة لفهم كيف ظهر أول ضوء في الكون من قلب الظلام”، قالت أناستازيا فيالكوف، باحثة فلكية من جامعة كامبريدج والمشاركة في الدراسة.

ما هي إشارة 21 سنتيمتر؟

بعد مئات آلاف السنين من التبريد عقب الانفجار العظيم، بدأت ذرات الهيدروجين المحايدة بالتكوّن. لكن مع ظهور النجوم الأولى، تغيّر التوازن. أطلقت هذه النجوم إشعاعات كافية لإعادة تأيين الهيدروجين، ما تسبب بإصدار فوتونات عند الطول الموجي 21 سنتيمتر، وهي علامة لا يمكن إنكارها على بداية تكوّن الهياكل الكونية.

إذا تمكّنا من تحليل هذه الإشارة بدقة، فسنكون أقرب ما يكون إلى فتح “مفتاح هيكلي” لفهم فجر الكون.

الأدوات الجديدة التي ستحدث الفرق

استخدم الفريق تلسكوب REACH (تجربة تحليل الهيدروجين الكوني)، الذي يخضع حاليًا للمعايرة، بالإضافة إلى تلسكوب Square Kilometer Array الضخم الجاري إنشاؤه في أستراليا. ويقول الباحثون إنهم طوّروا نموذجًا قادرًا على استنتاج كتل النجوم الأولى – المعروفة باسم النجوم من الجيل الثالث (Population III) – من داخل هذه الإشارة.

الكشف الأساسي: الأشعة السينية من النجوم الثنائية

أبرز ما توصّل إليه الفريق أن النماذج السابقة أغفلت تأثير “النجوم الثنائية بالأشعة السينية”، وهي أنظمة تتكوّن من ثقب أسود أو نجم نيوتروني يسحب المادة من نجم مرافق، ما يولّد إشعاعًا قويًا بالأشعة السينية.

يبدو الآن أن هذه الأنظمة كانت أكثر سطوعًا وعددًا مما كان متوقعًا، ما يغيّر تفسير إشارة 21 سنتيمتر بالكامل.

“نحن أول من يربط بشكل منهجي بين كتلة النجوم الأولى وإشارة 21 سنتيمتر، مع تضمين تأثير الأشعة فوق البنفسجية والسينية”، قالت فيالكوف. “النتائج مستندة إلى محاكاة تستند إلى الشروط الأولية للكون، كالتركيب الأولي للهيدروجين والهيليوم الناتج عن الانفجار العظيم.”


مستقبل علم الفلك الراديوي

هذه النتائج تمثل خطوة هائلة في علم الفلك الراديوي، الذي بدأ يكشف عن عالم غير مرئي من الإشعاعات المنخفضة الشدة.

“التوقعات التي نعرضها لها تأثيرات هائلة على فهمنا لطبيعة أولى النجوم في الكون”، قال إلوي دي ليرا أسيدو، الباحث المشارك وأحد القائمين على تلسكوب REACH.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى